كلكامش - أنكيدو الموت ومعنى الوجود

إنَّ الوعي المأساوي الحارق الذي دشنه كلكامش بعد رحيل أنكيدو الفجائي ( من الحلم جاء أنكيدو وفي الواقع غاب ) ، وجعله يرحل نحو العدم بحثاً عن المثيل السرمدي ، أو الجد الخالد المستكين على قفاه في جنة عدن . هو سقوط داخل العدم وصلب فوق لماذائية معنى الوجود بما هو وجود ينبع من " هل " التناهي أمر لاريب فيه ! ولما كان ليس هناك من حل نظري للمشكلة ينفيها بحلها ، فقد وقع اختيار كلكامش ورهان وعيه على احتمال مطلق بحث عنه وحاول تحقيقه برغم سقوط نسبيته ونسبية الوجود صريعة أمامه في شخص مثيله أنكيدو . بالرغم من وعي كلكامش لوضعيته الوجودية تلك ، اعتمد قرار المحاولة الواعية المركوزة على رعشة الإحساس بالوجود ، رغم تعدم صيرورته المستمرة . هذا الوعي الحاد : رفض التناهي والرحيل باتجاه اللاتناهي للاتحاد صميمياً فيه - معه ، ليس سوى اشتعالات الرؤى المضنية ومعاناتها الذاتية التي أوقدها الفكر النير للكاتب البابلي البارع سين ليقي - أونيني ، وهو يجمع شتات النصوص الدرامية والحكايات المتفرقة ، شفوية أم مدوّنة ، لكلكامش الملك / الواقعي / الأسطوري / المتخيّل ، ويعيد إنتاج أفكارها ، وعلاقاتها ، وأحداثها في خلاصة تتخطّى الزمان ، وتروم التأسيس العقلاني للديمومة من خلال مبدأ ، معادلة ، قانون يقنن الإمكان ليحيله إلى ضرورة في الراهن