-
الذاكرة الموازية
لكنك لو علمتهم مبادئ التجديف ثم تركتهم لقوة التيار الخارقة لتمكنوا بحبهم للحياة أن يجعلوا لهم فوق الماء ماء، وتحت الريح أرياحا. قادرون هم لو أسلمتهم لأقدار سواعدهم أن يحلّقوا فوق الموج والمحيط وأن يمدّوا بينهم وبين الأفلاك أكثر من شريط. أما سفينة الصالحين التي نجت، فبعدها نجت أيضا سفن القراصنة والمارقين والحارقين. ودعي تلاميذك لقدر الشهب، واكتفي بالمراقبة. إذا سقط منهم أحد. فالتقطيه وارفعيه ساعة إلى جانب أخيه. وتأكدي أنه بعد برهة حتما سيطير فإن قَصُر، فاعلمي أنها سنة يروم بها تغيير المصير. و سينأى عنك وقد قرّ في نفسه أن حصتك كانت تمرينه الأوحد على بدا المسير
11 TND -
ريح الشمال
«كانت الساعة الواحدة ليلا في ساعتي الجيبية القديمة، وكان الهواء البارد يلفح وجهي، وأنا أحث الخطى الأجتاز آخر منازل القرية التي تفصلني عن الغابة. وبدأت أترك شيئا فشيئاً أنوار القرية ورائي، متوغلا في الأدغال، ولم يعد يتناهى إلى مسامعي غير نباح ضعيف لكلاب بعيدة. كنت أسير في العتمة واجماً، والكيس فوق ظهري، دون أن أفكر في شيء آخر، غير وصولي إلى البيت، وتناول عشائي، ثم استسلامي للنوم. لم تكن تخيفني الطريق الوعرة التي تنتظرني بعد مغادرتي القرية، لأني صرت أقطعها منذ أكثر من سنتين، وأصبح الأمر لدي رتيباً وعادياً. مضيت أسير هكذا إلى أن وجدت نفسي في مواجهة التل. توقفت وسط الظلام الدامس لأسترد أنفاسي وأجفّف بكفي العرق المنهمر من جبيني، ومن منابت شعري المتدلي، وأستعد للمنازلة الأخيرة الصعبة. لم أعد أشعر بالبرد، وصار زمهرير الشتاء نسيماً يُداعب وجهي فينعشني شرعت في الصعود مَحْنِي الظهر، ومستخدما يدي في الإمساك بالأعشاب الطويلة المحاذية للدرب، لكيلا أنزلق فأعود متدحرجا من حيث أتيت من حسن حظي أن البيت لم يكن في أعلى التل، بل كان في منتصف المسافة الصاعدة تقريبا. عندما وصلت، وقفت أمام فتحة البيت ونظرت ورائي قليلا ، فلم أر غير العتمة الداكنة، تقطعها أنوار باهتة وبعيدة للقرية النائمة، ثم ولجت حبواً. تحسست في الداخل سطح الصخرة المصقولة طبيعيا، باحثا عن الشمعة فأشعلتها. عدت بعد ذلك إلى فتحة البيت، فأغلقتها بقطعة الخشب التي خصصتها لذلك، ثم أسندتها من الداخل بعمود غليظ وقوي، كنت اقتطعته من شجرة البلوط. أحسست بالدفء وأنا أخلع نعلي، وأرتمي على فراشي المصنوع من خشب الأشجار. أخرجت عشائي من الكيس ، ووضعته فوق ما يشبه الطاولة الحجرية. لا يزال الدجاج المصلي والبطاطا يحتفظان ببعض الحرارة. أخرجت علبة سلطة مشوية، وسكبتها في الصحن بعدما نظفته بماء في الإبريق، ورصفت قطع الخبز حول الصحن. من جيب الكيس أخرجت حبة موز، ثم فتحت المذياع الصغير وشرعت أتعشى بشراهة »
21 TND -
قوت القلوب
واتلي عليهم نبأ المرأة العربية في مختلف العصور قديمها وحديثه لكأن هذه الجملة الطلبية هي بمثابة رسالة تكليف من ضمير خولة عويني المبدع لصاحبته، فإذا بها تتلقف الرسالة وتنطلق بأولى خطواتها كاتبة واثقة متمكنة من قواعد عمل الإبداع الأدبي آخذة بناصية اللغة أخذا، تطوّعها كما تشاء وتذهب بها أنّى تريد. وإذا بها تشرع قلمها في وجه الظلم الذكوري الشرقي المترسخ في شخصية العربي والذي سرعان ما ينكشف للعيان رغم محاولات إخفائه بأقنعة ادعاء التقدمية والانفتاح والثقافة ومواكبة العصر، وهي كلها طبقات من الغبار الدقيق الذي يغطي حقيقة الرجل العربي المتظاهر بحمل لواء المساواة بين الرجل والمرأة والدفاع عن كيان مستقل وحر للأنثى، غير أن ذلك الغبار سَيَنْزَالُ من تلقاء نفسه مع أول هبة هواء من حقيقة الواقع وأمام أول تنزيل لتلك الشعارات على محك الحياة. وهنا تصبح المرأة العربية كائنا ينوء تحت حمل ثقيل مزدوج فيه عبء ممارسة الحياة الحديثة بشروطها الموضوعية وعبء مقاومة هيمنة العُقد إياها التي ما فتئ الرجل العربي سجينا لها وهي عقد مدارها المرأة
9 TND -
الأبله السعيد
أنا أبله سعيد، ما يعبرو عليه بالفرانسوية Imbecile heureux، والشي هذا ما يقلقنيش بالكل، بل بالعكس ديما نحاول ونسعى باش نركز، ونغذّي، وانّمي الفكرة والصفة والشهرة هاذي عند الناس، على خاطر الحمق، والغباوة والبلاهة متاعي أنا مقرّرهم ومسطرهم في إطار خطة مدروسة ومستوحاة من تجاربي اليومية باش ننجح في الحياة. على حسب تجربتي في هالدنيا الكلبة، لاحظت اللي أكثر الناس قلوبهم كحل ومغيارين وبغضيّين وحسوديين، وأشكون يبغضو ؟ ما يحسدوش الفقراء، والزواولة والتّرورة، والمزمرين، والخياب، ووجوه اللوح، والشلايك والبهايم، والمسطكين، والمنتفين، والبطالة، واللي ماعندهمش غشاء ليلة، هاذم الكل ما يقلقوهمش بالعكس يتقبلوهم بصدر رحب. أما يحسدو كل إنسان نجح في ميدان مالميادين وإلا عمل دار باهية، وإلا كرهبة مضخمة، وإلا مشروع رابح، يهبطو عليه بالسكاكن يقدّدوه، يردّوه تستيرة، كفتاجي بالعظمة. أما اللي يبدى مزمّر يمنع من بلاهم، وخاصة يعطيهم الإحساس اللي هوما خير منو ومتفوّقين عليه، وأنا في معاملاتي مع هالشلايك نقضي بيهم قضيتي ونضحك على لحيتهم، ونمشيلهم في بالهم اللي هوما يضحكو عليا
11 TND -
مختارات قصصية
أهرب من برج القلق الآسن.. أهرّب طقوسي السرية من مدى الكشف، إلى حيث لا فرمان بالبتر والخفض لحلم ابق كرغبة نافرة.... إلى حيث لا عورات. إلى حيث لا يسترق الظل النظر إلى القامة.... إلى حيث أربت على حلمي المكنون وأرفعه عاليا، فتنة للمجرات المتكلسة في المدار، ثمّ أزيح عن أجنحته العقال له أن يركض نحو المراقي العلوية، ويشرف من حالق على رؤوس بلا أعين، بأفواه كثيرة، تقضم برسيما. أنا الصانع في حضرة الصانع المعلّم. أفتل الحكاية بين خيط حرير وخيط مسد
12 TND -
هشاشة
كأن الحب حطاب لئيم اقتطع كل الاشجار المثمرة ولم يترك لرباب سوى شجرة واحدة مثمرة فريدة من نوعها ولسوء حظها كانت ملكاً لسواها. كان الدكتور شكري ملكاً لامرأة سواها مثل شجرة عملاقة وجد في منتصف طريقها فتوقفت رباب لتستظل قليلا إلا أنها لم تستطع مغادرة مكانها لا تستطيع المضي قدما ولا تملك خيار الرجوع إلى الخلف. من دون تخطيط وجدت شجرة حياتها الوارفة فاستسلمت وتركت قلبها معلقا بين يديه. تأرجحت على أرجوحة أوقاته وعاشت لسنتين وفق تفاصيل حياته دون تذمر هو بداية الطمأنينة ونهايتها وبداية الوله ونهايته الحب الممكن والمستحيل هو كل شجرة سبقته كانت بلا لون ولا رائحة ولا معنى چین احبها فهمت لما لم تحب شابا في سنها. فشكري شجرة ممتدة العروق أغصانها العالية مثقلة بثمار السنين والتجارب لذلك استطاع أن يحتويها بعذوبة داخل قلبه
9 TND -
كوخ من لبن النساء
صناعة تلك المرأة الأيقونة الأسطورة التي تشقى لتسكت الأفواه الصارخة جوعا في بيتها. لكنك ستجد نساء كثيرات ومهما اختلفن يجتمعن في صفة النضال، وشجاعة قول الراي في مجتمع مغلق يرى المرأة أقل من الرجل. هذه المجموعة تعيد تصويب المعادلة، لتقول إن الحياة شراكة بين الجنسين لا حرب احتقار، وبهذا تؤكد أن المرأة فاعلة ومؤثرة، وأنها هي والرجل الذي تحركه الذكورة، ينتمون بالتساوي إلى فصيلة الإنسان. إضافة إلى هذا، مهما تنوعت القصص والمصائر، هناك خيط موضوعي يربط بينها جميعا، وهذا يعتبر مهما جدا لأنه يجعل العمل لا قصص على شتات، بل متن منسجم مترابط الرؤى بديع السردية فاتن في تشكيل الجملة، وبناء الحدث السردي بذكاء بارز
12 TND -
أدراج الرياح
طيلة سنوات عملي صلب الجهاز الدبلوماسي التونسي ( زهاء 33 سنة) أبحرت سفينتي الى مناطق مختلفة في العالم للعمل بها أو للقيام بمهمات محددة كعضو في الوفود التونسية أو كرئيس وفد. ومن بين الدول التي عملت بها مع الإقامة بها النيجر والأردن وأثيوبيا وكوت ديفوار وإيطاليا وأيران وكندا. في حين زرت كل من النمسا وإيرتريا وتنزانيا والسنغال وموريتانيا وليبيا والمغرب والجزائر و مصر و السعودية والكويت وجنوب إفريقيا وغانا والأرجنتين وكوبا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا للقيام بمهام مختلفة بها ممثلا لبلادي. ونظرا لأهمية تلك المحطات والحقب التاريخية المختلفة و ما عشت فيها من أحداث كنت تارة فاعلا فيها وأخرى شاهدا عليها، وقد رسخت بذاكرتي عديد الوقائع المؤثرة التي أنضجت رؤيتي للأحداث السياسية نظرا لموقعي القريب من مراكز القرار ببلدي تونس وببلدان الإعتماد، فقد إرتأيت أن أزيح الستار عن جانب مما تعج به ذاكرتي مع مراعاة واجب التحفظ على جوانب أخرى كثيرة ستظل في داخلي لترحل معي الى الأبد
15 TND -
تراحيل
يبرع السيد عبد المجيد فرحات في إعادة بعث عالم ريفنا الجميل المشبع بالرؤى، بجزئياته وخفاياه وأشيائه الصغرى ورموزه، فتولد مواقف دقيقة شتى مفعمة حركة وملأى حياة موصولة بحراك الريف وحياته الغامضة. إنها تسترجع ضحى الفلاحين في صباحهم وأماسيهم المفتوحة، حيث تغفو السنابل في شهر جوان ملأى بالخير، تغذيها أحلام الطفولة بألغازها ورؤاها وتوقها الخفيّ إلى الجديد البهي المبهج. ضمن هذا المساق يندهش الطفل بأوهامه الباذخة، تتدلّى عناقيد مثقلة حبورا وفرحا حينا، وأسى ثقيلا حينا آخر
6 TND -
قواديس
هذه القصص محض خيال، فاحذر إيهامها واطلب فيها أسرارها، ولا يغُرَنَكَ تشابه الأسماء ودنو الوقائع مما رأيت أو سمعت.. وارد أن يَكُونَ الشَّخصُ أو المكان مألوفًا في معارفكَ، ووارد أن يكون ما حدث عنه القلم حادثا في محيطك، لكنهُ فِي القصَّةِ آخرُ مختلف ولئن جاءت الأسماء من خارج القَصَّ وَمَثَلتْ فيه فما ذاك إلا تخليص من هَوْلِ النسيان الذي يلتهم كيانَهُمْ.. لعل هذه القصص تورطك في بساطتها وتأخذُكَ مِنْ نفسك يَقِينَا وطمأنينة ثم تَرُدُّكَ سؤالاً وحيرة ..!
5 TND -
هنيئا لي
في نصوص "هنيئا لي" اختارت الكاتبة رشيدة الفارسي البوح مسلكا إلى مخاطبة الذات والآخر والوجود في آن معا. هي نصوص مدار الخطاب فيها على “الأنا" يتوسل ضروبا من الخطاب موقعة لا بمعنى التوقيع بالوزن وإنّما بمعنى إيقاع الذات الباحثة عن كيفيات لنظم الدلالة في صور واستعارات موسعة. ويطالعك هذا “الأنا" في صور مختلفة مؤتلفة أحيانا كثيرة، يطالعك حينا منتصرا منتشيا بالوجود وما فيه من دلالات. ويتراءى حينا آخر منكسرا راغبا في العزلة والانكفاء. تلك هي حالاته. وهي حالات “الأنا” الرومنطيقي والغنائي اللانهائية. نصوص لا تخلو من الشّعر والسّرد. شعرها ماثل في ما أنشأته الفارسي من صور يأخذ بعضها برقاب بعض في ضروب من التعالق والتداخل بين المعاجم (الطبيعة، الجسد، الزمان، المكان )
9 TND -
حکایات العروي الجزء الرابع
عبد العزيز العروي يستحق فعلا لقب ”الأبوّة الذي أطلق عليه اعترافا بالجميل لرعايته الجيل بأكمله من مسرحيين وفنانين وصحفيين، فإنّه يستحقه أكثر عندما يتعلق الأمر بالثقافة الشعبية التونسية وبالحكاية الخرافية على وجه الخصوص، فهو خزّانها وحافظها وحاميها ومحتضنها الأكبر. لعبد العزيز العروي حكايات وحكايات رواها على مسامع التونسيين وتناهت عبر الأثير في إذاعة الأخبار والحكايات إلى مسامع أشقائهم وجيرانهم الجزائريين والليبيين ولكن حكاية العروي نفسه وقصته لا يعرفها الكثير من أبناء الشعب الذي عاصره وأغرم برواياته ولم يكتب له أن يلتحق بالمدارس والجامعات ويتزود بالمعارف الحديثة في فهم الوجود والإنسان ولكنه وجد في حكايات العروي منبعا لا ينضب من الحكم والعِبَر ينهل منها للتأمّل في عجائب الدنيا وغرائبها، في أفراحها وأتراحها، في حلوها ومرها وللنظر في ما يعتمل في الوجود الإنساني من التناقضات وما ينجر عن ذلك في خضم الصراع الذي تخوضه الذات الفرديّة من النوازع المتضاربة التي دونها لا يكون للحياة معنى ولا للحكايات جمال ودلالة ووقع على آذان المستمعين إليها
15 TND