دُوَلُ التَّثاقف في بلاد المغرب الإسلامي

".. مصطلح تثاقف (Acculturation) ... يعبر بدقة عن الخطة التي أروم تبليغها إلى القارئ أي تلك العمليات التي تحدث عند اتصال مجموعة بشرية ما تكون حاملة لثقافة بأخرى لها ثقافتها الخاصة. ورصد التفاعل بين تلكما الثقافتين سلبا وإيجابا وصولا إلى ثقافة ناتجة تكون مواكبة لتطلعات الفريقين معا, تفضي إلى بناء حضاري يكون منسجما مع حكم الساعة. ولما كانت أشكال التثاقف متعددة منها التلقائي الذي يحدث بين ثقافتين تواصلا حراء أو ذاك الذي يحدث تحت الإكراه بفعل إرادة القوة, أو التماهي الحر والاندماج الطوعي. وقد تكون الحالة هي مجموع هذه التعريفات, لتكون استراتيجية موحدة لثقافة ارتضاها الناس بعد لأي. قد تكون الحالة التي يتناولها هذا الكتاب شيئا من هذا, حيث حدث تفاعل بين الثقافة القائمة والثقافة الوافدة في بلاد المغرب الذي أضحى حاملا لثقافة جديدة هي وليدة التماس الذي حصل عند الفتح الإسلامي, بحيث أصبح المجتمع البربري الذي يفترض فيه أنه كان موحدا خلال المرحلة, وبالتالي له ثقافته الخاصة التي تبيح له إمكانية الاتصال والرد على المستحدث مع الطرح الجديد لفكرة الإيمان والتوحيد. إنها المثاقفة التي تسري في كل الإنتاج الفكري لتحول السؤال من الكيفية إلى الماهية, كما يقول محمد الباشا. لقد أثبتت الدراسات أن البربر لم يكونوا على هامش الحضارة . كما يوحي ظاهر المصطلح بالمفهوم الإغريقي - بل كانوا على دراية بما يجري في حوض المتوسط والتفاعل مع الحوادث الأرضية التي تجري على ضفافه وإسهامهم في النسيج الحضاري القائم حينئذ لا يحتاج إلى تدعيم عنعني . ثم اكتمل الصرح بالتفاعل الطوعي ثم الانصهاري تحقيقا لوحدة العنصر, وغدا التثاقف يجري انسيابيا ضمن القاعدة الفوقية لخلق بدائل تصلح حوارا مع الآخرين تحقيقا لتواصل إنساني بناء."