الأعمال الشعرية 2002-2002

لا ريب أن مطالعة الأعمال الشعرية الكاملة للهادي دانيال أشبه بسفر في أرض قصية ذات مسالك غريبة وتضاريس تتحوّل أشكالها بين ما يوحي بالأنس والسكينة وما يولّد القلق والانكفاء على الذات. وإنك لواجد بها مسالك سهلة تتيح للمسافر استراحات ظليلة هادئة ترطبها نسمات تبعث على الحلم أو التأمل، وأخرى وعرة ملتوية ذات حجارة حادة وعواسج قاسية تورث القلق وضيق النفس؛ غير أن التائه بها يُكافأ في نهاية المطاف بفيض من المعرفة والحكمة فينفذ نفاذ العارف إلى الحقيقة الإنسانية. الشعر كشاف صادق الحقيقة صاحبه ومخبر عن أحواله، ولعله يطابق كل المطابقة فصول حياة الهادي دانيال منذ نشأته في قرية كفرية من ريف اللاذقية على الساحل السوري حتى اليوم. كما أنه يشهد على مراحل حياة متقلبة تنوء بأعباء النضال والالتزام الفكري ومعاناة الارتحال بين المنافي. ولئن ساير في تدفقه إيقاعات الواقع وتحوّلات العصر إلا أنه يظل صوت الباطن الذي لا تملك سلطة الذهن طمسه وإن سبكته في قوالب اللغة الجماعية، ولا تقوى على حجبه وإن ألبسته بهرج الكلمات. فشعر هادي دانيال مدونة تاريخ حياته ودفتر يومياته وسجل كل خاطر يخطر له وكل هاجس يحركه وكل حدث يحدث له في يومه أو في ليله؛ ولا يندر أن يشي شعره بتفاصيل يومية دقيقة قد لا يعيرها غيره أهمية مثلما نرى في قصيد ساخر عنوانه "فكاهة الواقعي" (2011)، حيث يورد مقطعا نعرف منه موقع مسكن الشاعر، في أي شقة وأي عمارة وفي أي منطقة من المدينة: في قيلولة صيف من عتبات جهنم غادرت المقهى إلى منزلي على مقربة من مشفى الرئيس ... ابن سينا جرد يقدر و وزنه برطل تونسي